فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في كرم:
الكَرَم ضدّ اللُّؤم.
كَرُمَ- بالضمّ- كَرَامة وكَرَما وكَرَمة- محرَّكتين- فهو كَرِيم وكرِيمة وكِرْمة- بالكسر- ومَكْرُم ومَكْرُمة وكُرَام وكُرَّام وكُرَّامة، والجمع: كُرماءُ وكِرَام وكرائِم.
وجمع الكُرَّام: كُرَّامون.
ورجل كَرَم- محركة- أي كريم، يستوى فيه الواحد والجمع.
ويا مَكْرُمان للكريم الواسع الخُلُق.
وأَكرمه وكرّمه: عظَّمه ونزَّهه.
واختلفوا في معنى الكريم على ثلاثين قولاً ذكرناها في غير هذا الموضوع.
والكَرَم إِذا وُصف الله به فهو اسم لإِحسانه وإِنعامه، وإِذا وُصف به الإِنسان فهو اسم للأَخلاق والأَفعال المحمودة التي تظهر منه، ولا يقال: هو كريم حتَّى يَظهر منه ذلك.
قال بعض العلماءِ: الكرم كالحُرِّية إِلاَّ أَنَّ الحرِّية قد تقال في المحاسن الصَّغيرة والكبيرة، والكرم لا يقال إِلاَّ في الكبيرة؛ كإِنفاق مال في تجهيز جيش الغُزَاة، وتحمّل حَمَال ترقأ بها دماء قوم.
وقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} إِنما كان كذلك لأَنَّ الكرم الأَفعال المحمودة، وأَكرمها ما يقصد به أَشرف الوجوه، وأَشرف الوجوه ما يقصد به وجه الله، فمَن قصد بها ذلك فهو التَّقىّ.
فإِذًا أَكرم النَّاس أَتقاهم.
وكل شيء يَشرف في بابه وُصف بالكريبم، نحو قوله تعالى: {أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}، {إِنَّهُ لَقرآنٌ كَرِيمٌ}.
وأَرض مَكْرُمة وكَرَمٌ وكريمة: طيِّبة.
والكريمان: الحجّ والجهاد.
والإِكرام والتكريم: أَن يوصل إِلى الإِنسان نفع لا تلحقه فيه غضاضة، أَو يوصف إِليه شيء شريف.
وقوله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ}، أي جعلهم كراماً.
قال الشاعر:
إِذا ما أَهان امرؤ نفسَه ** فلا أَكرم الله مَنْ أَكْرَمَهْ

وقيل، وردت هذه المادَّة في القرآن على اثنى عشر وجها:
1- بمعنى الأَشرف والأَفضل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
2- بمعنى العزيز العظيم: {لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
3- بمعنى المزيَّن المحسَّن: {وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً}، {مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}، أي حسن.
4- بمعنى العجيب الغريب: {إِنِّي أُلْقِيَ إلى كِتَابٌ كَرِيمٌ}.
5- بمعنى المنظوم المعجِز: {إِنَّهُ لَقرآنٌ كَرِيمٌ}، أي معجز في النظم.
6-بمعنى الذليل المَهِين على سبيل التهكم: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}، أي الذليل المهين.
7- بمعنى جبريل: {إِنَّهُ لَقول رَسُولٍ كَرِيمٍ}.
8- بمعنى ملائكة الملكوت: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ}.
9- بمعنى الملائكة الموكَّلين ببنى آدم: {كِرَاماً كَاتِبِينَ}.
10- بمعنى بنى آدم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ}.
11- بمعنى يوسف الصِّديق: {إِنْ هَاذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
وفى الحديث الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إِسحاق ابن إِبراهيم".
12- بمعنى العظيم الغفار التوَّاب: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}، {يا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال الشنقيطي:
قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأخرت}.
هذه الآية الكريمة يوهم ظاهرها أن الذي يعلم يوم القيامة ما قدم وما أخر نفس واحدة وقد جاءت آيات أخر تدل على أن كل نفس تعلم ما قدمت وأخرت كقوله: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} وقوله: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يوم الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً}- إلى غير ذلك من الآيات.
والجواب- أن المراد بقوله نفس كل نفس والنكرة وإن كانت لا تعم إلا في سياق النفي أو الشرط أو الامتنان كما تقرر في الأصول، فإن التحقيق إنها ربما أفادت العموم بقرينة السياق من غير نفي أو شرط أو امتنان كقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ} في التكوير والانفطار وقوله أن مثل نفس وقوله أن تقول نفس يا حسرتي والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.تفسير الآيات (9- 12):

قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أوضح سبحانه غاية الإيضاح الدليل على قدرته على الإعادة بالابتداء، وبين تعالى أنه ما أوجب للإنسان، الخسار بنسيان هذا الدليل الدال على تلك الدار إلا الاغترار، وكان الاغترار يطلق على أدنى المعنى، بين أنه ارتقى به الذروة فقال: {كلا} أي ما أوقعكم أيها الناس في الإعراض عمن يجب الإقبال عليه ويقبح غاية القباحة الإعراض بوجه عنه مطلق الغرور {بل} أعظمه وهو أنكم {تكذبون} أي على سبيل التجديد بتحدد إقامة الأدلة القاطعة وقيام البراهين الساطعة {بالدين} أي الجزاء الذي وظفه الله في يوم البعث، فارجعوا عن الغرور مطلقاً خاصاً وعاماً، وارتدعوا غاية الارتداع {وإنّ} أي والحال أن {عليكم} أي ممن أقمناهم من جندنا من الملائكة {لحافظين} لهم على أعمالكم غاية العلو فهم بحيث لا يخفى عليهم منها جليل ولا حقير.
ولما أثبت لهم الحفظ، نزههم عن الزيادة والنقص فقال: {كراماً} أي فهم في غاية ما يكونون من طهارة الأخلاق والعفة والأمانة.
ولما ثبت الحفظ والأمانة بغاية الإبانة، وكان الحافظ ربما ينسى قال: {كاتبين} أي هم راسخون في وصف الكتابة يكتبونها في الصحف كما يكتب الشهود بينكم العهود ليقع الجزاء على غاية التحرير.
ولما أفهم الاستعلاء والتعبير بالوصف إحاطة الاطلاع على ما يبرز من الأعمال، صرح به فقال: {يعلمون} أي على التجدد والاستمرار {ما تفعلون} أي تجددون فعله من خير وشر بالعزم الثابت والداعية الصادقة سواء كان مبنيا علي علم أو لا، فكيف يكون مع هذا تكذيب بالجزاء على النقير والقطمير هل يكون إحصاء مثاقيل الذر من أعمالكم عبثاً وهل علمتم بملك يكون له رعية يتركهم هملاً فلا يحاسبهم على ما في أيديهم وما عملوه، ولأجل تكذيبهم بالدين أكد المعنى المستلزم له وهو أمر الحفظة غاية التأكيد، والتعبير بالمستقبل يدل على أنهم يعلمون كل ما انقدح في القلب وخطر في الخاطر قبل أن يفعل، وأما ما لم يجر في النفس له ذكر فلا يعلمونه كما بينه حديث: «ومن هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)}
اعلم أنه سبحانه لما بين بالدلائل العقلية على صحة القول بالبعث والنشور على الجملة، فرع عليها شرح تفاصيل الأحوال المتعلقة بذلك، وهو أنواع:
النوع الأول: أنه سبحانه زجرهم عن ذلك الاغترار بقوله: {كَلاَّ} و{بَلِ} حرف وضع في اللغة لنفي شيء قد تقدم وتحقق غيره، فلا جرم ذكروا في تفسير {كَلاَّ} وجوهاً الأول: قال القاضي: معناه أنكم لا تستقيمون على توجيه نعمي عليكم وإرشادي لكم، بل تكذبون بيوم الدين الثاني: كلا أي ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله، ثم كأنه قال: وإنكم لا ترتدعون عن ذلك بل تكذبون بالدين أصلاً الثالث: قال القفال: كلا أي ليس الأمر كما تقولون من أنه لا بعث ولا نشور، لأن ذلك يوجب أن الله تعالى خلق الخلق عبثاً وسدى، وحاشاه من ذلك، ثم كأنه قال: وإنكم لا تنتفعون بهذا البيان بل تكذبون، وفي قوله: {تُكَذّبُونَ بالدين} وجهان الأول: أن يكون المراد من الدين الإسلام، والمعنى أنكم تكذبون بالجزاء على الدين والإسلام الثاني: أن يكون المراد من الدين الحساب، والمعنى أنكم تكذبون بيوم الحساب.
النوع الثاني: قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}
والمعنى التعجب من حالهم، كأنه سبحانه قال: إنكم تكذبون بيوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء، وملائكة الله موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة، ونظيره قوله تعالى: {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قول إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18 17] وقوله تعالى: {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} [الأنعام: 61] ثم هاهنا مباحث:
الأول: من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه:
أحدها: أن هؤلاء الملائكة، إما أن يكونوا مركبين من الأجسام اللطيفة كالهواء والنسيم والنار، أو من الأجسام الغليظة، فإن كان الأول لزم أن تنتقض بنيتهم بأدنى سبب من هبوب الرياح الشديدة وإمرار اليد والكم والسوط في الهواء، وإن كان الثاني وجب أن نراهم إذ لو جاز أن يكونوا حاضرين ولا نراهم، لجاز أن يكون بحضرتنا شموس وأقمار وفيلات وبوقات، ونحن لا نراها ولا نسمعها وذلك دخول في التجاهل، وكذا القول في إنكار صحائفهم وذواتهم وقلمه.
وثانيها: أن هذا الاستكتاب إن كان خالياً عن الفوائد فهو عبث وذلك غير جائز على الله تعالى، وإن كان فيه فائدة فتلك الفائدة، إما أن تكون عائدة إلى الله تعالى أو إلى العبد والأول: محال لأنه متعال عن النفع والضر، وبهذا يظهر بطلان قول من يقول: إنه تعالى إنما استكتبها خوفاً من النسيان الغل.
والثاني: أيضاً محال، لأن أقصى ما في الباب أن يقال: فائدة هذا الاستكتاب أن يكونوا شهوداً على الناس وحجة عليهم يوم القيامة إلا أن هذه الفائدة ضعيفة، لأن الإنسان الذي علم أن الله تعالى لا يجور ولا يظلم، لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه الحجة، والذي لا يعلم ذلك لا ينتفع بهذه الحجة لاحتمال أنه تعالى أمرهم بأن يكتبوا تلك الأشياء عليه ظلما.
وثالثها: أن أفعال القلوب غير مرئية ولا محسوسة فتكون هي من باب المغيبات، والغيب لا يعلمه إلا الله تعالى على ما قال: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] وإذا لم تكن هذه الأفعال معلومة للملائكة استحال أن يكتبوها والآية تقضي أن يكونوا كاتبين علينا كل ما نفعله، سواء كان ذلك من أفعال القلوب أم لا؟ والجواب: عن الأول: أن هذه الشبهة لا تزال إلا على مذهبنا بناء على أصلين أحدهما: أن البنية ليست شرطاً للحياة عندن.
والثاني: أي عند سلامة الحاسة وحضور المرئي وحصول سائر الشرائط لا يجب الإدراك، فعلى الأصل الأول يجوز أن تكون الملائكة أجراماً لطيفة تتمزق وتتفرق ولكن تبقى حياتها مع ذلك، وعلى الأصل الثاني يجوز أن يكونوا أجساماً كثيفة لكنا لا نراها والجواب: عن الثاني أن الله تعالى إنما أجرى أموره مع عباده على ما يتعاملون به فيما بينهم لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم، ولما كان الأبلغ عندهم في المحاسبة إخراج كتاب بشهود خوطبوا بمثل هذا فيما يحاسبون به يوم القيامة، فيخرج لهم كتب منشورة، ويحضر هناك ملائكة يشهدون عليهم كما يشهد عدول السلطان على من يعصيه ويخالف أمره، فيقولون له: أعطاك الملك كذا وكذا، وفعل بك كذا وكذا، ثم قد خلفته وفعلت كذا وكذا، فكذا هاهنا والله أعلم بحقيقة ذلك الجواب: عن الثالث أن غاية ما في الباب تخصيص هذا العموم بأفعال الجوارح، وذلك غير ممتنع.
البحث الثاني: أن قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين} وإن كان خطاب مشافهة إلا أن الأمة مجمعة على أن هذا الحكم عام في حق كل المكلفين، ثم هاهنا احتمالان:
أحدهما: أن يكون هناك جمع من الحافظين، وذلك الجمع يكونون حافظين لجميع بني آدم من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني آدم.
وثانيهما: أن يكون الموكل بكل واحد منهم غير الموكل بالآخرة، ثم يحتمل أن يكون الموكل بكل واحد من بني آدم واحدًّا من الملائكة لأنه تعالى قابل الجمع بالجمع، وذلك يقتضي مقابلة الفرد بالفرد، ويحتمل أن يكون الموكل بكل واحد منهم جمعاً من الملائكة كما قيل: اثنان بالليل، وإثنان بالنهار، أو كما قيل: إنهم خمسة.
البحث الثالث: أنه تعالى وصف هؤلاء الملائكة بصفا.
أولها: كونهم حافظي.
وثانيها: كونهم كراما.
وثالثها: كونهم كاتبي.
ورابعها: كونهم يعلمون ما تفعلون، وفيه وجهان:
أحدهما: أنهم يعلمون تلك الأفعال حتى يمكنهم أن يكتبوها، وهذا تنبيه على أن الإنسان لا يجوز له الشهادة إلا بعد العل.
والثاني: أنهم يكتبونها حتى يكونوا عالمين بها عند أداء الشهادة.
واعلم أن وصف الله إياهم بهذه الصفات الخمسة يدل على أنه تعالى أثنى عليهم وعظم شأنهم، وفي تعظيمهم تعظيم لأمر الجزاء، وأنه عند الله تعالى من جلائل الأمور، ولولا ذلك لما وكل بضبط ما يحاسب عليه، هؤلاء العظماء الأكابر، قال أبو عثمان: من يزجره من المعاصي مراقبة الله إياه، كيف يرده عنها كتابة الكرام الكاتبين. اهـ.